الجمعة، فبراير 15، 2013

من كتاب الإحكام فى أصول الأحكام: فصل فى كيفية وُرُود الأمر

فصل في كيفية ورود الأمر

قال ابن حزم: الأوامر الواجبة ترد على وجهين

أحدهما: بلفظ افعل، أو افعلوا.

والثاني: بلفظ الخبر إما بجملة فعل وما يقتضيه من فاعل أو مفعول، وإما بجملة ابتداء وخبر.

فأما الذي يرد بلفظ افعل أو افعلوا، فكثير واضح مثل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وما أشبه ذلك.

وأما الذي يرد بلفظ الخبر وبجملة فِعل وما يقتضيه فكقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا } وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } وكقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } و {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } و: « أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَة أَعْظُمٍ» ، وما أشبه ذلك، وكثير من الأوامر التي ذكرنا وردت كما ترى بمفعول لم يسم فاعله، ولكن لما قال عز وجل وقوله الحق على نبيه : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } علمنا يقيناً لا مجال للريب فيه، أنه لا ينقل أمراً ولا نهياً إلا عن ربه تعالى، فكان السكوت عن تسمية الآمر والناهي عز وجل وذكره سواء في صحة فهمنا أن المراد بأحكام الشريعة هو الله تعالى وحده لا من سواه.

وأما ما ورد من هذا بجملة لفظ ابتداء وخبر فكقوله تعالى: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } ، { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } ، { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } ، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } )، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } ، { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } ، ومثل هذا كثير.

قال ابن حزم : فلا طريق لورود الأوامر والشرائع الواجبة إلا على هذين الوجهين فقط، فأما عنصر الأمر والنهي فإنما هو ما ورد بلفظ: افعل أو لا تفعل، فهذه صيغة لا يشركه فيها الخبر المجرد الذي معناه معنى الخبر المحض، ولا يشركه فيها التعجب، ولا يشركه فيها القَسَم، وإنما يشركه في هذه الصيغة الطَّلبيَّةَ فقط، فما كان منها إلى الله عز وجل فهو الدعاء فقط، وما كان منها إلى من دونه تعالى، فهو الرغبة. وقد يسمى الدعاء إلى الله عز وجل أيضاً رغبة ولا يسمى الدعاء على الإطلاق إلا ما كان طَلبَةً إلى الله عز وجل، حتى إذا جاز أضيف أن ينسب إلى غير الله تعالى، فنقول: ادع فلاناً بمعنى ناده.

ليست هناك تعليقات: