الجمعة، يوليو 06، 2012

يعنى إيه ظاهرية من وجهة نظرى

أحد المغردين اتهم المذهب الظاهرى بما يتهمه به الجميع من الجمود والتحجر فى الفهم للنص بدون عقل ومخالفته للمنطق!! فأردت أن أكتب تدوينة عن معنى الظاهرية من وجهة نظرى حتى يفهم الجميع معنى الظاهرية التى أعرفها. وسأكتب عنها كحدوتة تاريخية بسيطة حتى يسهل على الجميع المتابعة.
كان يا ما كان فى سالف العصر والأوان طفل له مستقبل عظيم أرادت أمه أن تعلمه الفقه فبعثته للإمام العظيم إمام أهل الأثر جامع كتاب الموطأ الأشهر وإمام دار الهجرة لتلقى العلم عنه. نعم!!! أتقصد الإمام العظيم القرشى المطلبى الشافعى!! ومال هذا بأهل الظاهر؟!  ما هو لو تصبر حتعرف.
يا سيدى الإمام الشافعى تعلم على يد الإمام مالك مدرسة الأثر التى تقدر كل أثر ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين وتأخذ بذلك فى الفتوى بل تحتج بإجماع فقهاء المدينة كحجة مثل الإجماع وإجماع الصحابة. ثم درس على يد تلاميذ الإمام العظيم أبى حنيفة النعمان الذى هو إمام مدرسة أهل الرأى الذى تقدر القياس وتعليه على آثار تتشكك تلك المدرسة فيها من مخالفة الصحابى راوى الحديث لروايته أو يلجأ للاستحسان الذى يقدم على القياس لو خالف القياس يسر الدين وتعنت وتشدد. وأضاف لذلك كله الإمام العظيم الشافعى لغته العربية التى قال علماء اللغة عنها أنها حجة مثل أشعار العرب. 
من هنا يظهر عبقرية الإمام العظيم الشافعى الذى هو أعظم فى رأيى من غيره حتى من الإمام بن حزم الأندلسى ركن أركان الظاهرية. أقول هذا عن الشافعى لا تعصبا ولكن حقيقة أراها وأؤمن بها لأنه لم يكن مجرد مستهلك للفكر والمدارس التى درس على يد أئمتها بل كان منتجا مبدعا مؤسسا لفكر جديد. أخذ الشافعى من مالك قدسية الأثر عن رسول الله وأنه حجة قائمة بذاتها إذا صح الحديث عن الرسول لا يضيره مخالفة راويه أو أى صحابى آخر له ولا مخالفته للقياس الجلى. وقال كلمته المشهورة إذا صح الحديث فهو مذهبى ونافح عن السنة ومكانتها حتى لقبوه بناصر السنة. وأخذ من أبى حنيفة عبقرية القياس عند "عدم وجود النص" وكيفية استخراج العلة من بطن النص. ولكنه رفض من مذهب مالك أخذه بإجماع أهل المدينة ووقف عند إجماع الصحابة وقنن الأخذ بالحديث وقسمه لصحيح وضعيف بأصول وقواعد. ورفض من مذهب أبى حنيفة الاستحسان وقال قولته المشهورة أيضا "من استحسن فقد شرع" لأن العدول عن القياس مخالفة لأصول الاجتهاد لأن المجتهد يفهم مراد الله ورسوله ويترجمه لأحكام والبلاغ لها فقط والاستحسان عدول عن ذلك من وجهة نظره. وقعد من علمه باللغة قواعد الفهم السليم لمعنى الكلام والفرق بين العام والخاص والمطلق والمقيد وعام يراد به المقيد والعكس وكل مدلرسة فكره هذه دونها فى كتابه الأعظم "الرسالة" الذى أسس فيه لعلم "أصول الفقه" ليقنن الاجتهاد حتى لا يصير للفقيه أن يخرج عن القانون هذا فيخالف نهج الاجتهاد الصحيح للهوى.
طيب أنا عارف كل هذا ولكنى أسأل عن الظاهرية؟! مال ده كله والظاهرية؟!
حاضر أقول لك. جاء بعد وفاة الشافعى طالب للعلم تعلم على مذهب الإمام الشافعى فى بداية الأمر اسمه الإمام أبو داوود الظاهرى فوجد كلام الشافعى عظيما فقرأه ووعاه ولم يك مثل الشافعى مجرد مستهلك ومردد لما يتعلم بل طور وأبدع وبعد اجتهاده توصل إلى أن أدلة الشافعى فى إبطال الاستدلال بالاستحسان والوقوف عند القياس فقط (الترتيب قرءان ثم سنة ثم إجماع ثم قياس ثم استحسان ....) هى نفسها تصلح لإبطال القياس نفسه لأن القياس تشريع أيضا بالهوى لأن النص سكت عنه والقياس على حكم المنصوص يختلف باختلاف العلة المظنونة للحكم مما يؤدى إلى إعمال الهوى والظن والتقول على الله ورسوله مالم يقولاه. هذا ما رآه فأبطل القياس وأخذ بقواعد اللغة العربية فى تفسير الكلام الذى أسس لها الشافعى من أن الأصل فى الكلام الحقيقة وليس المجاز وأن الحقيقة هى ظاهر الكلام وأنه لا عدول عن الحقيقة للمجاز إلا مخالفة الحقيقة هذه لحقيقة نصوص أخرى أو مخالفتها لضرورة حس (الحواس والحقيقة الكونية) عند ذلك فقط يصار للتأويل عن الحقيقة أو الظاهر ووقف عند إجماع الصحابة (قرءان ثم سنة ثم إجماع) واستدل بأحاديث وآيات على أصول فقه مذهبه هذا. ثم جاء بعده فى الأندلس بن حزم الذى يعتبر المؤسس الثانى والبانى لمبنى المذهب بعد ما أصل له الإمام أبو داوود الظاهرى. وقد يظن البعض أن بن حزم هو مؤسس مذهب الظاهرية لشهرته القصوى وعدم ورود كتب عن الإمام أبى داوود. وينسب الجهد الجهيد لابن حزم فى تقعيد قواعد وأصول فقه المذهب من جديد فى كتابه الكبير كبر كتاب الشافعى "الرسالة" وهو كتاب "الإحكام فى أصول الأحكام". وأصل وفرع ونافع ودافع وجادل وصال وجال. وتعب مع علماء زمانه المقلدين والذين أغلقوا باب الاجتهاد وعظموا أئمة مذهبهم بما لا يرضاه الله ورسوله. 
ول سألتنى ما فائدة الأخذ بدلالة الظاهر ونفى القياس وما أثر ذلك فى الفقه والفتوى. أقول لك الإجابة بمثالين.
الأول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رواه البخارى ليفسر لك يسر الأخذ بالظاهر من المعنى وليس المجاز وهو:
عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي [ جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم ليصلي عليه فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ] إنما خيرني الله فقال { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } وسأزيده على السبعين [ قال إنه منافق قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و جل آية { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره } وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة حماد بن أسامة به ثم رواه البخاري عن إبراهيم بن المنذر عن أنس بن عياض عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به وقال فصلى عليه وصلينا معه وأنزل الله { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } الاية

فانظر لفهم النبى صلى الله عليه وسلم للآية على أنها تخيير عادى كما يفهمها أى واحد "استغفر لهم أولا تستغفر لهم" بينما فهمها عمر رضى الله عنه على انها نهى عن الاستغفار وفسر إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم على أن السبعين غير مقصود حقيقة بل مجاز على كثرة الاستغفار وانه لا فائدة منه. ولو كان فهم عمر رضى الله عنه هو الصحيح لأخذ به ولكن تلك الآيات بمفردها لا تعنى سوى ما فهمه النبى صلى الله عليه وسلم ولكن بعد أن أنزل الله آيات أخرى ظاهر معناها واضح بالنهى عن الصلاة بوضوح نفذ أمر الله. والدليل على الفرق بين النهى عن الاستغفار ونص الآية "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم" .. الدليل هو الآية الأخرى "وسواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم" فما الفرق بين المعنيين إذا إذا كان التخيير فى الآية الأولى مساوى لنفى أن يغفر الله لهم فى الثانية. هذا هو المثال الأول لتعرف الفرق بين الظاهر والحقيقة والمجاز ودلالة كل واحد منهم وحجيته. 
ثانيا أثر نفى القياس على الفتوى هو:
مثال مشهور هوما حكم المخدرات؟ والإجابة قياسا على الخمر لاشتراكهما فى علة الإسكار يكون المخدرات التى لم يرد النص بتحريمها حرام. طيب من لا يقيس يقول بتحليل المخدرات!!!! الله ده مذهب حلو ولذيذ!!!! لا يا سيدى فالظاهرية يأخذون بقواعد االلغة العربية والاسم و "ما صدق" الاسم فالخمر لغة ما خامر العقل إذن كل ما خامر العقل من مخدرات اسمه خمر لغة فليحرم نصا لا قياسا ومعروف عند أهل القياس أن الحكم بالنص أقوى من الحكم بالقياس لأن النص أصل والقياس فرع والأصل أقوى من الفرع. حتى لو سميت أنت المخدر اسما حلالا كمن يطلق على الخمر ماء فهى حرام مهما سميتها أنت وإن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
طيب فما الفرق إذن بين الظاهرية وغيرهم طالما انت بتضحك عليا كده وتقول لا تقيس وأنت تسميه شيئا آخر وتأخذ به.
أقول لك الفرق فى المثال التالى: حديث إذا ولغ الكلب فى إناء أحدكم فطهور الإناء أن يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب .. حديث واضح أليس كذلك؟! نأخذ من كظاهرية أنه إذا ولغ أى كلب اسمه كلب من فصيلة الكلاب يغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب. تمام؟ تمام وواضحة .
لكن أهل القياس يقيسون قياس الأولى فقال بعضهم أن الخنزير أقذر من الكلب فيغسل الإناء من ولوغه سبع مرات إحداهن بالتراب بل هو أولى من الكلب رغم عدم النص عليه. وأيضا يقول بعضهم من دلالات مفهوم الحديث (غير الظاهر) أن الكلب هكذا نجس كله بينما يقول بعض أهل القياس مقولة أهل الظاهر أن النجس فقط هو فم الكلب ولعابه وليس جسد الكلب فى أى مكان آخر إلا بالطبع إذا حمل نجاسة من بول أو براز مثلا.
فأهل الظاهر فقههم أيسر لأنه يأخذ النص فقط ولا يقيس فيتشدد كما تذكرون نفى الشافعى للاستحسان عند تشدد القياس لذلك نفى الظاهرية القياس لأنه تشدد أصلا حتى تيسيره له بديل أصل عظيم اسمه الأصل فى الأشياء الإباحة إلا ماورد النص بتحريمه هذا مذهب أهل الظاهر.
مثال آخر حديث صحيح من لعب بالنردشير أو النرد فقد عصى الله ورسوله وفى رواية فكأنما غمس يده فى لحم خنزير ودمه. ومنه نأخذ حكم تحريم اللعب بالنرد أو النردشير وهى كلمة فارشية لو بحثت عنها فى المعجم لوجدت أنها لعبة الطاولة التى موجودة الآن ولا تظن أن ما نطلق عليه الآن نرد (الزهر أقصد) هو النرد المقصود لأنه فى المعاجم اسمه الزهر أو حجر النرد فالنرد اللعبة أو النردشير وتلعب بالزهر أو الفص أو حجر النرد لذا دلالة ظاهر الحديث تحريم الطاولة. أما أهل القياس يستنبطون علة التحريم فى اللعب بالزهر فيحرمون كل لعبة بالزهر مثل السلم والثعبان وبنك الحظ !! بل منهم من يقول أن العلة هى الأرقام المخبوءة والحظ فى ذلك فيحرم الكوتشينة والدومينو ومنهم من يلجأ للتيسير فيسكت ولا يقيس حتى لا يتشدد فيتهم من زملائه باللين فى دينه!!!!!!
فهمت الآن الفرق بين الظاهرية وأهل المذاهب الأخرى .... وأؤكد لك أن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم . ولا أحكى لك هذا كى أجعلك ظاهريا بل كى تفهم وتعرف الفرق ولا تستمع لمن يسئ للمذهب الظاهرى وغيره . 
وفى النهاية لكل مجتهد نصيب فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر..... 
واختر لنفسك ...............