الخميس، فبراير 14، 2013

ابن حزم وحفظ السنة (الأحاديث)

ابن حزم:قد أمنَّا ولله الحمد أن تكون شريعة أمر بها رسول الله أو ندب إليها أو فعلها، أن تضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته، إما بتواتر أو بنقل الثقة عن الثقة حتى تبلغ إليه، وأمنَّا أيضاً قطعاً أن يكون الله تعالى يفرد بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول، وأمنَّا أيضاً قطعاً أن تكون شريعة يخطىء فيها راويها الثقة ولا يأتي لنا بيان جليّ واضح بصحة خطئه فيه، وأمنَّا أيضاً قطعاً أن يطلق الله عز وجل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع يسنده إلى من تجب الحجة بنقله، حتى يبلغ به إلى رسول الله. وكذلك نقطع ونثبت بأن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلاً أو لم يروه قط إلا مجهول أو مجرح ثابت الجرحة، فإنه خبر باطل بلا شك موضوع لم يقله رسول الله إذ لو جاز أن يكون حقاً لكان ذلك شرعاً صحيحاً غير لازم لنا، لعدم قيام الحجة علينا فيه. وهذا الحكم الذي قدمنا إنما هو فيما نقله من اتفق على عدالته كالصحابة وثقات التابعين والأئمة في عصرهم وبعدهم إلينا وإلى يوم القيامة. وفي كل من ثبتت جرحته. وأما من اختلف فيه فعدله قوم وجرحه آخرون، فإن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره، وإن ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره، وإن لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا في ذلك، وقطعنا ولا بد حتماً على أن غيرنا لا بد أن يثبت عنده أحد الأمرين فيه، وليس خطؤنا نحن إن أخطأنا وجهلنا -إن جهلنا- حجة على وجوب ضياع دين الله تعالى، بل الحق ثابت معروف عند طائفة وإن جهلته أخرى، والباطل كذلك أيضاً، كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضاً، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه: إما تثبت الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه، وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه فلان، وإما بأن توجب المشاهدة بأنه أخطأ. وليس اختلاف الروايات عيباً في الحديث إذا كان المعنى واحداً، لأن النبي صح عنه أنه إذا كان يحدث بحديث كرره ثلاث مرات، فنقل كل إنسان بحسب ما سمع فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحداً. فإذا روى العدل عن مثله خبراً حتى يبلغ به النبي فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره أو أوقفه سواه، أو رواه كذاب من الناس، وسواء روي من طريق أخرى أو لم يرو إلا من تلك الطريق، وسواء كان ناقله عبداً أو امرأة أو لم يكن، وإنما الشرط العدالة والتفقه فقط.