الأحد، فبراير 24، 2013

بحث لنصر الدين المصري عن أدلة إبطال القياس

يقول الباحث نصرالدين المصري عن أحد أدلة إبطال القياس:هل يدل قوله تعالى(فاعتبروا يا أولي الأبصار)على القياس؟،الاعتبار في اللغة مشتق من العبور،والعبور يعني المجاوزة.وسُمِّيَ الاتعاظ بالقول أو الحادثة اعتبارا لأن المتعظ يعبر العلم بالقول أو الحادثة إلى تأمل حكمتها ودلالاتها.ويمكن أن يسمى القياس اعتبارا لأنه يعني المجاوزة والعبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع.ولو كان الأمر بالاعتبار في الآية على إطلاقه ويعني القياس من جملة ما يعنيه،فلابد من إلحاق كل صور الاعتبار-التي قد لا تحصى-بالقياس في الوجوب.ولا يخفى على عاقل بطلان ذلك.فلابد ألا ننزع الأمر بالاعتبار من السياق،لأن السياق هو الذي يحدد معنى الاعتبار،قال تعالى(هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين "فاعتبروا يا أولي الأبصار")،هذه الحادثة المذكورة في الآية لا يمكن أن يُقاس عليها حكما،لكن يُتعظ بها،فيكون الاعتبار هنا بمعنى الاتعاظ وهو كما قلت تجاوز وعبور العلم بالحادثة إلى تأمل حكمتها ودلالاتها،ولعل من أهم هذه الدلالات أن غلبة ظن المؤمنين لا تتفق مع مراد الله،فعلى المتعظ الاعتبار بذلك وألا يركن إلى غلبة ظنه،وفي تلك العظة إبطال للقياس لأن القياسيين يركنون إلى الظنون.كما نجد أن لفظ العبرة لا يأتي في القرآن إلا بمعنى الاتعاظ،وهذه المواضع التي ورد فيها:(لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)،(قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )،(وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين)،(يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)،(فكذب وعصى - ثم أدبر يسعى - فحشر فنادى - فقال أنا ربكم الأعلى - فأخذه الله نكال الآخرة والأولى - إن في ذلك لعبرة لمن يخشى)من ذلك نفهم معنى الاعتبار في الآية هو الاتعاظ.ونعلم أن فيها ما يُبطل القياس لا ما يدل عليه،ولو كان الاعتبار بمعنى القياس لجاء الأمر بالاعتبار بعد حكم يُقاس عليه لا بعد حادثة يتعظ بها.فاعتبروا من ذلك! :)

الاثنين، فبراير 18، 2013

ابن حزم: الأسماء المنقولة عن معانيها الظاهرة الحقيقية

الأسماء المنقولة عن معانيها:

١-أحدها نقل الاسم عن بعض معناه الذي يقع دون بعض، وهذا هو العموم الذي استثني منه شيء ما فبقي سائر مخصوصاً من كل ما يقع عليه كقوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }.

٢-والوجه الثاني نقل الاسم عن موضوعه في اللغة بالكلية، وإطلاقه على شيء آخر، كنقل الله تعالى اسم الصلاة عن الدعاء فقط، إلى حركات محدودة من قيام وركوع وسجود وجلوس وقراءة ما، وذكر ما، لا يتعدى شيء من ذلك إلى غيره. وكنقله تعالى اسم الزكاة عن التطهر من القبائح إلى إعطاء مال محدود بصفة محدودة، مع نقل اللفظ عما يقتضيه ظاهره إلى معنى آخر، وهذا الباب يسمى في الكلام وفي الشعر الاستعارة والمجاز، ومنه قوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } ومثل هذا كثير.

٣-والوجه الثالث: نقل خبر عن شيء ما إلى شيء آخر اكتفاء بفهم المخاطب كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} وإنما أراد تعالى أهل القرية وأهل العير، فأقام الخبر عن القرية والعير مقام الخبر عن أهلها. وكقوله تعالى: {ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}فأوقع تعالى الحكم على الحلف، وإنما هو على الحنث أو إرادته لا على الحلف.

٤- الوجه الرابع: النسخ، وهو نقل لحكم كنقله تعالى الأمر بالصلاة إلى بيت المقدس إلى الكعبة

والبرهان الدال على النقل الذي ذكرنا ينقسم قسمين لا ثالث لهما: إما طبيعة وإما شريعة. فالطبيعة هو ما دل العقل بموجبه على أن اللفظ منقول من موضوعه إلى أحد وجوه النقل الذي قدمنا مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ـــــ فصح بضرورة العقل، أن المراد بذلك بعض الناس لأن العقل يوجب ضرورة أن الناس كلهم لم يحشروا في صعيد واحد، ليخبروا هؤلاء بما أخبرهم به، ولأن العقل يوجب ضرورة أن المخبرين لهم بأن الناس قد جمعوا لهم، غير الجامعين لهم، وغير المجموع لهم بلا شك، وأن الجامعين غير المخبرين بالجمع، وغير المجموع لهم بلا شك ومثل قوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } { } (الإسراء: 50) علمنا بضرورة العقل أنه أمر تعجيز، لأنه لا يقدر أحد على أن يصير حجارة أو حديداً، ولو كان أمر تكوين لكانوا كذلك، فلما وجدهم العقل لم يكونوا حجارة ولا حديداً علم أنه تعجيز، وأما الشريعة فهي أن يأتي نص قرآن أو سنة، أو نص فعل منه عليه السلام، أو إقرار منه عليه السلام، أو إجماع على أحد وجوه النقل الذي ذكرنا كما دل الإجماع على أن اسم أب في قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً}منقول عن الاقتصار على الأب وعلى الأجداد من الأب والأم وإن بعدوا، إلى الآباء من الرضاعة والأجداد من الرضاعة لقوله عليه السلام: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»، وقد قال تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

فلاح أن لا بيان إلا بنص أو بضرورة عقل كما قدمنا، لأن رسول الله هو التالي علينا القرآن فهو المبين به، وهو الآمر لنا بالسنن المبينة علينا، وهو الآمر باتباع القرآن والسنن والإجماع، وهو عليه السلام الذي نصّ علينا في القرآن إيجاب استعمال العقل والحس.

الجمعة، فبراير 15، 2013

من كتاب الإحكام فى أصول الأحكام: فصل فى كيفية وُرُود الأمر

فصل في كيفية ورود الأمر

قال ابن حزم: الأوامر الواجبة ترد على وجهين

أحدهما: بلفظ افعل، أو افعلوا.

والثاني: بلفظ الخبر إما بجملة فعل وما يقتضيه من فاعل أو مفعول، وإما بجملة ابتداء وخبر.

فأما الذي يرد بلفظ افعل أو افعلوا، فكثير واضح مثل: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَوَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وما أشبه ذلك.

وأما الذي يرد بلفظ الخبر وبجملة فِعل وما يقتضيه فكقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا } وكقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } وكقوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} و {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ } {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } و {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } و: « أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَة أَعْظُمٍ» ، وما أشبه ذلك، وكثير من الأوامر التي ذكرنا وردت كما ترى بمفعول لم يسم فاعله، ولكن لما قال عز وجل وقوله الحق على نبيه : {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } علمنا يقيناً لا مجال للريب فيه، أنه لا ينقل أمراً ولا نهياً إلا عن ربه تعالى، فكان السكوت عن تسمية الآمر والناهي عز وجل وذكره سواء في صحة فهمنا أن المراد بأحكام الشريعة هو الله تعالى وحده لا من سواه.

وأما ما ورد من هذا بجملة لفظ ابتداء وخبر فكقوله تعالى: { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } ، { فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } ، { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ } ، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } )، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } ، { مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } ، ومثل هذا كثير.

قال ابن حزم : فلا طريق لورود الأوامر والشرائع الواجبة إلا على هذين الوجهين فقط، فأما عنصر الأمر والنهي فإنما هو ما ورد بلفظ: افعل أو لا تفعل، فهذه صيغة لا يشركه فيها الخبر المجرد الذي معناه معنى الخبر المحض، ولا يشركه فيها التعجب، ولا يشركه فيها القَسَم، وإنما يشركه في هذه الصيغة الطَّلبيَّةَ فقط، فما كان منها إلى الله عز وجل فهو الدعاء فقط، وما كان منها إلى من دونه تعالى، فهو الرغبة. وقد يسمى الدعاء إلى الله عز وجل أيضاً رغبة ولا يسمى الدعاء على الإطلاق إلا ما كان طَلبَةً إلى الله عز وجل، حتى إذا جاز أضيف أن ينسب إلى غير الله تعالى، فنقول: ادع فلاناً بمعنى ناده.

الظاهرية وحديث آية "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"

يروى مسلم، عن ابن عمر قال : لما توفي عبد الله بن أبي ابن سلول فقام رسول الله ليصلي عليه؛ فقام عمر فقال: يا رسول الله أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه، فقال رسول الله : «إِنَّما خَيَّرَنِي ربي فَقَالَ: {"اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ" إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } « وَسَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ» قال عمر : إنه منافق!، فصلى عليه رسول الله فأنزل الله عز وجل {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ } .

قال ابن حزم : ففي هذا الحديث بيان كاف في حمل كل شيء على ظاهره ، فحمل رسول الله اللفظ الوارد بـ"أو" على التخيير ، فلما جاء النهي المجرد حمله على الوجوب ، وصح بهذا أن لفظ الأمر والنهي غير لفظ التخيير والندب، ورسول الله أعلم الناس بلغة العرب التي بها خاطبه ربه تعالى .

فإن قال قائل : فما كان مراد الله بالتخيير، الذي حمل رسول الله على التخيير، وبذكره تعالى السبعين مرة، أتقولون: إنه أراد تعالى ما قال عمر بن الخطاب من ألا يصلي عليهم ولا يستغفر لهم ثم نزلت الآية الأخرى مبينة ؟.

فالجواب : أننا وبالله تعالى التوفيق، لا نقول ذلك، ولا يسوغ لمسلم أن يقوله، ولا نقول إن عمر، ولا أحداً من ولد آدم عليه السلام فهم عن الله تعالى شيئاً لم يفهمه عنه نبي الله ، وهذا القول عندنا كفر مجرد، وبرهان ذلك أن الله تعالى لو لم يرض صلاة النبي على عبد الله بن أبيّ، لما أقره عليها، ولأنزل الوحي عليه لمنعه كما نهاه بعد صلاته عليه أن يصلي على غيره منهم، فصح أن قول عمر كان اجتهاداً منه أراد به الخير فأخطأ فيه، وأصاب رسول الله ، وأجر عمر في ذلك أجراً واحداً، لكنا نقول: إنه عز وجل خيّر نبيه في ذلك على الحقيقة، فكان مباحاً له أن يستغفر لهم ما لم ينه عن ذلك.

وأما ذكر السبعين فليس في الاقتصار عليه إيجاب أن المغفرة تقع لهم بما زاد على السبعين، ولا فيه أيضاً منع من وقوع المغفرة لهم بما زاد على السبعين، إلا أن رسول الله طمع ورجا إن زاد على السبعين أن يغفر لهم، ولم يحقق أن المغفرة تكون بالزيادة، وهذا هو نفس قولنا بعينه، فلما أعلمه الله تعالى بما كان في علمه عز وجل، ولم يكن أعلمه قبل ذلك به علمه حينئذ نبيه ولم يكن علم قبل نزول المنع من الاستغفار لهم بالبت، أن ما زاد على السبعين غير مقبول، فدعا راج لم ييأس من المغفرة، ولا أيقن بها، وهذا بيّن في لفظ الحديث، وبالله تعالى التوفيق.

الخميس، فبراير 14، 2013

ابن حزم وحفظ السنة (الأحاديث)

ابن حزم:قد أمنَّا ولله الحمد أن تكون شريعة أمر بها رسول الله أو ندب إليها أو فعلها، أن تضيع ولم تبلغ إلى أحد من أمته، إما بتواتر أو بنقل الثقة عن الثقة حتى تبلغ إليه، وأمنَّا أيضاً قطعاً أن يكون الله تعالى يفرد بنقلها من لا تقوم الحجة بنقله من العدول، وأمنَّا أيضاً قطعاً أن تكون شريعة يخطىء فيها راويها الثقة ولا يأتي لنا بيان جليّ واضح بصحة خطئه فيه، وأمنَّا أيضاً قطعاً أن يطلق الله عز وجل من قد وجبت الحجة علينا بنقله على وضع حديث فيه شرع يسنده إلى من تجب الحجة بنقله، حتى يبلغ به إلى رسول الله. وكذلك نقطع ونثبت بأن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلاً أو لم يروه قط إلا مجهول أو مجرح ثابت الجرحة، فإنه خبر باطل بلا شك موضوع لم يقله رسول الله إذ لو جاز أن يكون حقاً لكان ذلك شرعاً صحيحاً غير لازم لنا، لعدم قيام الحجة علينا فيه. وهذا الحكم الذي قدمنا إنما هو فيما نقله من اتفق على عدالته كالصحابة وثقات التابعين والأئمة في عصرهم وبعدهم إلينا وإلى يوم القيامة. وفي كل من ثبتت جرحته. وأما من اختلف فيه فعدله قوم وجرحه آخرون، فإن ثبتت عندنا عدالته قطعنا على صحة خبره، وإن ثبتت عندنا جرحته قطعنا على بطلان خبره، وإن لم يثبت عندنا شيء من ذلك وقفنا في ذلك، وقطعنا ولا بد حتماً على أن غيرنا لا بد أن يثبت عنده أحد الأمرين فيه، وليس خطؤنا نحن إن أخطأنا وجهلنا -إن جهلنا- حجة على وجوب ضياع دين الله تعالى، بل الحق ثابت معروف عند طائفة وإن جهلته أخرى، والباطل كذلك أيضاً، كما يجهل قوم ما نعلمه نحن أيضاً، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه: إما تثبت الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه، وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه فلان، وإما بأن توجب المشاهدة بأنه أخطأ. وليس اختلاف الروايات عيباً في الحديث إذا كان المعنى واحداً، لأن النبي صح عنه أنه إذا كان يحدث بحديث كرره ثلاث مرات، فنقل كل إنسان بحسب ما سمع فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحداً. فإذا روى العدل عن مثله خبراً حتى يبلغ به النبي فقد وجب الأخذ به، ولزمت طاعته والقطع به، سواء أرسله غيره أو أوقفه سواه، أو رواه كذاب من الناس، وسواء روي من طريق أخرى أو لم يرو إلا من تلك الطريق، وسواء كان ناقله عبداً أو امرأة أو لم يكن، وإنما الشرط العدالة والتفقه فقط.