الخميس، أبريل 18، 2013

الحديث بين الصِحَّة و الحُسن

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد،

سأستكمل اليوم الكلام عن موضوع شائك جداً وهو الحديث الحسن، والتقسيمات الكثيرة للحديث غير تقسيم صحيح/ضعيف

لقد عرفنا الحديث الصحيح بأنه:ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه (من غير شذوذ ولا علة).
والحديث الحسن لم يستقر له تعريف جامع مانع حتى عصر الحافظ بن حجر العسقلاني شارح البخاري، فلقد عرفه بأنه
ما اتصل سنده برواية العدل الذي خَفَّ ضبطه عن مثله إلى منتهاه (من غير شذوذ ولا علة) ، وعرف بذلك الحديث الحسن الذي أعطاه رتبة "الحسن لذاته" يعني الحديث الذي رتبته حسن من ذات نفسه وإسناده من غير الاعتماد على اسناد آخر من طريق أخرى، وقد عرف الحديث الحسن لغيره هو الحديث الذي فقد شرط الاتصال أو الحفظ للرواي (وليس العدالة للراوي) أو به عِلَّة ما ، ولكنه مروي من طرق أخرى كثيرة تقوي بعضها بعضاً بحيث يصير بذلك الحديث "حسناً" ولكن "بغيره" وليس بذاته فقط، لذا سمي "حسن لغيره" ،،
وتفرع من هذا أيضاً أن الحديث الحسن لذاته إذا روى من طرق كثيرة بسند حسن لذاته فإنها تقوي بعضها بعضاً ليصير الحديث "صحيحاً" ولكن ليس لذاته ولكن "لغيره" وبعذا التقسيم يكون الحديث مقسماً إلى هذه الرتب:-
١-صحيح لذاته
٢-صحيح لغيره
٣-حسن لذاته
٤-حسن لغيره
٥-ضعيف (يمكن أن يتقوى بضعيف مثله إذا وُجِدَ ليصير حسناً لغيره)
٦-ضعيف جداً (لا يتقوى بضعيف جداً مثله لأن سبب الضعف عدم عدالة الراوي وليس سوء حفظه)

وهذا التقسيم هو ما عليه علماء الحديث
وأما الظاهرية فعندهم الحديث صحيح / ضعيف. واحد / صفر . منطق :)

فحديث من خفَّ ضبطه بمعنى أنه يقل عن حد الحفظ الأدنى المطلوب كشرط للصحة والثقة فى الراوي، فحديث ذلك الراوي عندهم لا يفيد العلم بل يفيد الظن وهو ضعيف وجمع ظن وظن وظن لا يفيد سوى ظنون .
أما إن كان معنى خف ضبطه يعني أقل من الحفاظ العظماء ولكنه يزيد عن الحد الأدنى المقبول فى الحفظ والضبط فهنا هذا الحديث المسمى "حسن"، اسمه عند الظاهرية صحيح.

هذا التقسيم الظاهري والتقسيم الخاص بعلماء الحديث يوضح أموراً هامة تبين لماذا اختلف العلماء فى تصحيح أحاديث وتضعيفها فأغلبها كان من رتبة الحسن واختلافهم سببه أنهم يحسنون الحديث حسب اطمئنانهم لحديث هذا الراوي للحسن، فمن ترجح لديه القبول حسَّن ومن ترجح لديه الرفض ضعَّف!

أما الثوابت من الحديث (الصحيح) فله أمارة ووضوح وقوة علم ويقين، وما تفاضل الرواة للصحيح فى عدالتهم وضبطهم بموجب رفض من حديثه فى أدنى درجات الصحة، وزيادة الصحة وقوتها خير ولكن لا يضعِّف القوى جداً القوى فقط :)

لذا اختلف الفقهاء والمحدثون فى تصحيح الحديث وتحسينه وتضعيفه. ولعل هذا يفيد من تعجب من الخلاف فى هذا الأمر :)
والله أعلى وأعلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

الحديث الصحيح بين الفقهاء والـمُحَدِّثين

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،


الحلقة الماضية تكلمنا عن حجة السنة والحديث الصحيح عند الإمام الشافعي وخلافه مع من يقدِّم عليها قول أحد، وخلافه مع من يضعِّفها رغم صحتها،


ونقول ثانية عن الحديث الصحيح لأنه موضوع هام جداً، حسب تعريف علماء الحديث هو"ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة"، ولكن الفقهاء يختلفون معهم قليلاً فأغلبهم يعرِّف الحديث الصحيح:"ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه"
ولكي نعرف الفرق لابد أن نوضح المصطلحات المستخدمة فى التعريفات أولاً:-


١-أول شرط:اتصال السند،،والسند أو الإسناد أو ما يُطلِق عليه البعض "العنعنة" هو سلسلة الرواة من أولها إلى آخرها وهو الصحابي أو النبي نفسه صلى الله عليه وسلم، ومعنى اتصال السند هو الـمُعَاصَرَة مع إمكانية اللقاء. يعني لو فلان رقم ١ يحدِّث عن فلان رقم ٢ وهكذا فيجب أن يكون هناك فترة من الزمن عاصر فيها الأول الثاني مع احتمالية اللقاء وهذه معناها أن
يَثْبُتَ أن أحدهما تواجد فى بعض الأماكن التى تواجد فيها الآخر، لا أن أحدهما يُعرَف عنه مثلاً أنه لم يُغادر بلداً ما نهائياً والآخر لم يتواجد بتلك البلد مطلقاً، فهذا ولو مع ثبوت المعاصرة انقطاع فى السند وعدم اتصال.

وهناك من صور عدم الاتصال التدليس، وهو أن يروي الثقة عن من سمع منه أحاديث، حديثاً لم يسمعه منه مباشرة بصيغة تحتمل السماع من عدمه وهى "عن"، أو "قال"، فالثقة إذا قال عن/قال فهي على الاتصال، أما الثقة المدلِّس إذا قال عن/قال فهي على الإنقطاع إلا إذا صَرَّح بالسماع مرة أخرى عند روايته لهذا الحديث مرة أخرى بصيغ السماع الواضحة مثل "حدَّثَنا" "أخبَرَنا" "سمِعتُ فلاناً يقول" أو ما شابه

والتدليس أنواع:-
١-١ تدليس الإسناد:وهو أن يحذف المدلس الواسطة بينه وبين من يعنعن عنه،
١-٢ تدليس التسوية:وهو أن يحذف المدلس الواسطة بين أحد من فوقه فى الإسناد ومن يُحدِّثُ عنه هذا الذي فوقه!
١-٣ تدليس الشيوخ والأسماء:وهو أن يذكر أحد من بالإسناد باسم غير معروف له أو كُنيَة لتجهيله لمن يسمع!
وفى كل ماسبق ،لو حذف أو جَهَّلَ ضعيفاً كان ذلك مسقطاً لعدالته.

وأسباب التدليس مشهورة لا يتسع المقام لذكرها.

٢-ثاني شرط:برواية العدل،،عدالة الراوي هي معرفة دينه وصدقه وأمانته، باختصار أنه شاهد "عدل" مقبول شهادته فى القضاء.


٣-ثالث شرط:الضابط،،ضبط الراوي يعني فقهه وفهمه وحفظه لما يروي،وهناك ضبط صدر أي ذاكرة فقط،وهناك ضبط كتاب أي لديه كتاب يحفظ به ما سمعه من الأحاديث، فمن كان ضابط كتاب فلا يُقبَلَ حديثه من الذاكره لأنه لن يضبطه
ويتذكره جيداً.
وكلمة "العدل الضابط" تختصر بـ "ثقة".

وبهذا تنتهي شروط صحة الحديث عند الفقهاء.


٤-الشرط الرابع (عند علماء الحديث):من غير شذوذ،،،والشذوذ مبحث من مباحث العلة التي سيأتي تعريفها فى الشرط الخامس بإذن الله وتعريف الشذوذ هو "مخالفة الثقة فيما رواه لمن هو أوثق منه (أوثق منه بكثرة العدد،أو أوثق منه حفظاً)" بمعنى أن يروي كثيرون ثقات عن فلان حديثاً محدداً ويرويه ثقة آخر بكلام مخالف لهم،،أو يروي ثقة حديثاً عن فلان ويرويه عنه ثقة أحفَظ منه
بكلام مخالف له. وأنواع الخلاف الممكنة هي
٤-١ خلاف إجمال و تفصيل، يعني حديث مختصر التفاصيل وحديث به التفاصيل.
٤-٢ خلاف زيادة/نقص كلمة لا تؤثر على المعنى
٤-٣ خلاف زيادة /نقص كلمة تغير المعنى كأن يكون أحد الحديثين حُكْمُهُ عاماً والآخر خاص.
٤-٤ خلاف تضاد، كأن يحرِّم الشئ حديث، ويحلُّه الآخر.

أما الخلاف الأول والثاني فليس خلافاً على الحقيقة


وأما الخلاف الثالث فالفقهاء يقولون أن هذا ليس خلاف لأنه يُصَار فيه لطرق الجمع بين الأحاديث والآيات عموماً التي تبدوا فى ظاهرها متعارضة، مثل العمل بالأزيد فى المعنى منهما وهو العام مقابل الخاص، أو عند وجود عدد فهو العدد الأكبر، وهكذا من طرق الجمع المعروفة لدي الفقهاء.

والخلاف الأخير وهو التضاد فهو على التحقيق مستحيل عند الفقهاء ، "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً" أي أن ما من عند الله فليس فيه تضاد، ولكن ما قد يُظَن أنه تضاد مثل حديث ينهى عن شئ وحديث آخر يبين أن النبى يفعله، هنا يُصار إلى أحد طرق الجمع المعروفة ومنها:
١-تأويل النهي للكراهة فقط وليس التحريم بدليل الفعل
٢-تفسير الفعل بأنه موافق لأصل الإباحة فبالتأكيد هو منسوخ، والناسخ هو الحديث الناهي


٥-الشرط الخامس(عند علماء الحديث):من غير علة،،، والعلة هي "شئ خفي يقدح فى صحة الحديث مع أن الظاهر السلامة منه" ، وليس خفاء العلة معناه أن لا وجود لها فيستطيع المُحَدِّث أن يقول هذا حديث معلول بلا توضيح، لا وألف لا وإلا هي الكهانة فى الإسلام، بل لابد أن يوضِّحها لمن خفيت عليه وإلا رُدَّ كلامُه كأن لم يكن. والعلة قد تكون فى المتن (وهي الشذوذ) وقد تكون فى الإسناد،مثل أن يروى الثقة عن الثقة ولكن الثقة الثاني هذا ضابط كتاب وليس صدر ويثبت لدينا أن الثقة الأول سمع منه من حفظه فقط، ولهذا سميت العلة "خفية" لأن من لا يعرف يرى ثقة يحدِّث عن ثقة فيحكم بالصحة.


وللفصل بين الفقهاء والمحدِّثين فى تلك المسألة نحتاج إلى تجرُّدٍ للحق وهو عسير إلا على من يسرَّه الله له. ولا أقول أن الحق مع علماء الحديث لمجرد أن هذا فنهم كما يقولون ، ولكن الحق مع صاحب الدليل والبرهان أياً ما كان.



أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.