الجمعة، مايو 17، 2013

ما معنى عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ؟!

ابن حزم : وأما قوله : «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» فقد علمنا أنه لا يأمر بما لا يقدر عليه، ووجدنا الخلفاء الراشدين بعده قد اختلفوا اختلافاً شديداً، فلا بد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها: إما أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه، وهذا ما لا سبيل إليه، ولا يقدر عليه، إذ فيه الشيء وضده ولا سبيل إلى أن يورث أحد الجد دون الإخوة بقول أبي بكر وعائشة، ويورثه الثلث فقط، وباقي ذلك للإخوة على قول عمر، ويورثه السدس وباقيه للإخوة على مذهب علي. وهكذا في كل ما اختلفوا فيه، فبطل هذا الوجه، لأنه ليس في استطاعة الناس أن يفعلوه فهذا وجه. أو يكون مباحاً لنا بأن نأخذ بأي ذلك شئنا، وهذا خروج عن الإسلام، لأنه يوجب أن يكون دين الله تعالى موكولاً إلى اختيارنا، فيحرم كل واحد منا ما يشاء، ويحل ما يشاء، ويحرم أحدنا ما يحله الآخر، وقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً} وقوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }، وقوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } يبطل هذا الوجه الفاسد، ويوجب أن ما كان حراماً حينئذ فهو حرام إلى يوم القيامة، وما كان واجباً يومئذ فهو واجب إلى يوم القيامة، وما كان حلالاً يومئذ فهو حلال إلى يوم القيامة. وأيضاً فلو كان هذا لكنا إذا أخذنا بقول الواحد منهم فقد تركنا قول الآخر منهم، ولا بد من ذلك فلسنا حينئذ متبعين لسنتهم، فقد حصلنا في خلاف الحديث المذكور، وحصلوا فيه شاؤوا أو أبوا. ولقد أذكَرَنَا هذا مفتياً كان عندنا بالأندلس وكان جاهلاً، فكانت عادته أن يتقدمه رجلان، كان مدار الفتيا عليهما في ذلك الوقت، فكان يكتب تحت فتياهما: أقول بما قاله الشيخان، فقضى أن ذينك الشيخين اختلفا، فلما كتب تحت فتياهما ما ذكرنا، قال له بعض من حضر: إن الشيخين اختلفنا؟ فقال: وأنا أختلف باختلافهما. قال أبو محمد: فإذ قد بطل هذان الوجهان فلم يبق إلا الوجه الثالث، وهو أخذ ما أجمعوا عليه، وليس ذلك إلا فيما أجمع عليه سائر الصحابة رضوان الله عليهم معهم، وفي تتبعهم سنن النبي والقول بها. وأيضاً فإن الرسول إذا أمر باتباع سنن الخلفاء الراشدين لا يخلو ضرورة من أحد وجهين:إما أن يكون أباح أن يسنوا سنناً غير سننه، فهذا ما لا يقوله مسلم، ومن أجاز هذا فقد كفر وارتد وحل دمه وماله لأن الدين كله إما واجب أو غير واجب، وإما حرام وإما حلال، لا قسم في الديانة غير هذه الأقسام أصلاً، فمن أباح أن يكون للخلفاء الراشدين سنة لم يسنها رسول الله ، فقد أباح أن يحرموا شيئاً كان حلالاً على عهده إلى أن مات، أو أن يحلوا شيئاً حرمه رسول الله ، أو أن يوجبوا فريضة لم يوجبها رسول الله ، أو أن يسقطوا فريضة فرضها رسول الله ولم يسقطها إلى أن مات، وكل هذه الوجوه من جوز منها شيئاً فهو كافر مشرك بإجماع الأمة كلها بلا خلاف، وبالله تعالى التوفيق، فهذا الوجه قد بطل ولله الحمد. وأما أن يكون أمر باتباعهم في اقتدائهم بسنته ، فهكذا نقول ليس يحتمل هذا الحديث وجهاً غير هذا أصلاً.